الـســيـارة
لم تكن في القرية سوى سيارة واحدة، هي «بيجو» العربي. حين تركبها لا يستطيع أنفك أن يتفادى رائحة»البوطا«، فقد كانت تسير بغاز الطبخ. وكانت صفراء، مبقعة بالطين. غير أن صفرتها لم تكن صافية صقيلة، فكأنها صبغت من طرف يد عديمة الخبرة، قد تكون يد العربي نفسه. وكانت، رغم تقادمها وانبعاج الجانب الأيمن من مقدمتها، قوية صبورا، مثل حمارة، تهتز وتتقلقل في الطريق المترب المحفر، مقلة أكثر مما تقل سيارة في الأحوال العادية.
أقبل أطفال على البيجو متصايحين: «واهْيا الوليدات، الطاموبيلا جات». نقدت العربي ثمن الركوب، ثم هرولت نحو المدرسة الصغيرة المنتصبة فوق ربوة تشرف على القرية كلها. وصلت متأخرا، وصخب التلاميذ يتناهى إلي من داخل القسم.
تهالكت على الكرسي متعرقا متعبا، وصحت.. وأنا ما أزال ألهث: «شْشْشت».
كنا قد شارفنا نهاية محور المواصلات. شردت برهة في صفحة تزينها سيارة وقطار وطائرة. طويت الكتاب المدرسي، وقلت انتبهوا. ولما توجهت أنظارهم إلي، أضفت:
- أخرجوا دفتر الرسم.
راحوا يفتحون محافظهم بشيء من التباطؤ، وسألني أحدهم دون أن يرفع إصبعه:
- معلم.. ماذا نرسم؟
مسحت جبهتي بيدي، وقلت رافعا صوتي:
- سيارة.. ارسموا سيارة.
مشيت بين الصفوف، بعد لحظة من الاسترخاء، أتطلع إلى الدفاتر. كانت أغلب السيارات مرسومة على نحو رديء، إلا أنها في عمومها كانت تشبه شكل السيارة في الكتاب المدرسي.
لكني لاحظت شيئا يتكرر في كل الرسوم، حين كنت بصدد اختيار أجمل رسم، لأعرضه عليهم منوها بصاحبه. لقد صبغوا سياراتهم، دون اتفاق مسبق، بلون واحد لا غير.. هو الأصفر!
وأنا ما أزال تحت تأثير الدهشة، تطلعت من نافذة القسم إلى الخارج، فرأيت «بيجو» العربي تثير الغبار نازلة الطريق.
لم تكن في القرية سوى سيارة واحدة، هي «بيجو» العربي. حين تركبها لا يستطيع أنفك أن يتفادى رائحة»البوطا«، فقد كانت تسير بغاز الطبخ. وكانت صفراء، مبقعة بالطين. غير أن صفرتها لم تكن صافية صقيلة، فكأنها صبغت من طرف يد عديمة الخبرة، قد تكون يد العربي نفسه. وكانت، رغم تقادمها وانبعاج الجانب الأيمن من مقدمتها، قوية صبورا، مثل حمارة، تهتز وتتقلقل في الطريق المترب المحفر، مقلة أكثر مما تقل سيارة في الأحوال العادية.
أقبل أطفال على البيجو متصايحين: «واهْيا الوليدات، الطاموبيلا جات». نقدت العربي ثمن الركوب، ثم هرولت نحو المدرسة الصغيرة المنتصبة فوق ربوة تشرف على القرية كلها. وصلت متأخرا، وصخب التلاميذ يتناهى إلي من داخل القسم.
تهالكت على الكرسي متعرقا متعبا، وصحت.. وأنا ما أزال ألهث: «شْشْشت».
كنا قد شارفنا نهاية محور المواصلات. شردت برهة في صفحة تزينها سيارة وقطار وطائرة. طويت الكتاب المدرسي، وقلت انتبهوا. ولما توجهت أنظارهم إلي، أضفت:
- أخرجوا دفتر الرسم.
راحوا يفتحون محافظهم بشيء من التباطؤ، وسألني أحدهم دون أن يرفع إصبعه:
- معلم.. ماذا نرسم؟
مسحت جبهتي بيدي، وقلت رافعا صوتي:
- سيارة.. ارسموا سيارة.
مشيت بين الصفوف، بعد لحظة من الاسترخاء، أتطلع إلى الدفاتر. كانت أغلب السيارات مرسومة على نحو رديء، إلا أنها في عمومها كانت تشبه شكل السيارة في الكتاب المدرسي.
لكني لاحظت شيئا يتكرر في كل الرسوم، حين كنت بصدد اختيار أجمل رسم، لأعرضه عليهم منوها بصاحبه. لقد صبغوا سياراتهم، دون اتفاق مسبق، بلون واحد لا غير.. هو الأصفر!
وأنا ما أزال تحت تأثير الدهشة، تطلعت من نافذة القسم إلى الخارج، فرأيت «بيجو» العربي تثير الغبار نازلة الطريق.