القضية الفلسطينية
تقديم إشكالي
أدى توافق مصالح الامبريالية الغربية و خاصة البريطانية مع المصالح الصهيونية منذ النصف 1 من القرن 19م (1840) إلى ضغط بريطانيا دبلوماسيا على العثمانيين قصد السماح بتسرب اليهود و استقرارهم مبكرا بفلسطين ، فبدأت أولى الهجرات الصهيونية للأراضي الفلسطينية و انطلقت معها جذور هذه القضية. غير أن تزايد حدة التمركز الصهيوني و تقويه نفوذه في ظل الانتداب البريطاني كان سببا في انطلاق شرارة المقاومة الفلسطينية ما بين 1920 و 1939م.
- فأين تكمن جذور القضية الفلسطينية ؟
- و ما هي الأشكال التي اتخذها التمركز الصهيوني بفلسطين خلال فترة ما بين الحربين ؟
- و كيف كانت ردود فعل الفلسطينيين على ذلك ؟
І- أشكال و مظاهر التمركز الصهيوني بفلسطين
1- بداية التسرب الصهيوني إلى فلسطين إلى غاية 1917م
- برزت فكرة إنشاء قومية يهودية في فلسطين منذ القرن 19 مع اندلاع الحركات القومية الأوروبية والاضطهاد الذي تعرض له يهود روسيا وأوروبا الشرقية. وقد دعم الحركة الصهيونية كبار الرأسماليين اليهود ماديا ومعنويا حيث سخروا المال ووسائل الدعاية لخدمة الحركات القومية الأوربية لنيل عطفها وتأييدها. غير أن حماس اليهود لم يتأجج إلا بظهور النمساوي تيودور هيرتزل (1904-1860) صاحب كتاب "الدولة اليهودية " الذي دعا فيه الى ضرورة إحياء الروح القومية لدى اليهود . وهكذا انعقد أول مؤتمر صهيوني بسويسرا في 29 غشت 1897 (مؤتمر بال ) والذي أعلن فيه : أن الصهيونية حركة سياسية عالمية هدفها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام .وقد تمحورت مقررات هذا المؤتمر حول عدة نقط كانت أهمها :
•تعزيز حركة الاستيطان اليهودي بفلسطين بتشجيع هجرة اليهود المزارعين و الحرفيين و المهنيين و توفير الدعامات المادية و السياسية لذلك .
•تنظيم و توحيد يهود العالم بفضل إحداث المنظمة الصهيونية العالمية و التبشير بأفكارها و مبادئها و أهدافها و إقامة مجموعة من المؤسسات المحلية تمويلية و سياسية مثل المصرف الاستعماري اليهودي 1898، الصندوق القومي اليهودي 1901 ، مكتب فلسطين 1908 ، الصندوق التأسيسي 1917، و الوكالة اليهودية 1928.
•تقوية الشعور والضمير القومي لليهود .
•العمل على ضمان موافقة الحكومات من اجل تنفيذ المخطط الصهيوني و تحقيق أهدافه .
- هكذا انتقلت الحركة الصهيونية من مرحلة الدعوة الى مرحلة العمل، فوضعت برامج و إستراتيجية عمل مستفيدة من تأييد الدول الاستعمارية الغربية و خاصة بريطانيا بسبب توافق المصالح. فبينما اعتبر اليهود فلسطين (ارض الميعاد) قاعدة اقتصادية وسياسية وعسكرية لمد نفوذهم بالشرق الأوسط ،رأى التاج البريطاني في الوجود الصهيوني بالمنطقة درعا يحمي مصالحه الحيوية ويجنبه خطر قيام دولة عربية موحدة وقوية ،هذا إضافة الى الدعم الذي حصلت عليه بريطانيا خلال فترة الحرب العالمية الأولى من اليهود الذين يتمتعون بنفوذ كبير في العالم خاصة بالو.م.أ وألمانيا.
- ونتيجة لارتباط المصالح وللدعم الصهيوني،قدمت بريطانيا على لسان وزير خارجيتهما بلفور وعدا للصهاينة بإنشاء وطن قومي لهم بفلسطين في 2 نونبر 1917 عرف بوعد بلفور Balfour .كما قامت بتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين و تسهيل ظروف إقامتهم و استيطانهم.هذا الأخير الذي انطلق مبكرا منذ 1855 مع موشي مونتيفيوري، مما ساعد على تزايد عدد المستعمرات اليهودية بمناطق الجليل، مرج ابن عامر و السهل الساحلي حتى بلغت 47 مستعمرة سنة 1914م.
2- مظاهر و أشكال التمركز الصهيوني بفلسطين فيما بين الحربين
- استطاعت الحركة الصهيونية كسب مساندة الو.م.أ،فرنسا ،ايطاليا واليابان مما مكنها من حضور مؤتمر السلام بباريس وطالبت بضرورة الحصول على وطن لليهود بفلسطين ← تم إدراج وعد بلفور في معاهدة السيفر وصك الانتداب.
- نص صك الانتداب الذي جعل فلسطين من نصيب بريطانيا باعتراف أممي في يوليوز 1922، على مجموعة من الامتيازات منحت للصهاينة منها :
•تمتيع السلطة المنتدبة بكافة الصلاحيات داخل فلسطين و برعاية المصالح الصهيونية و حقها في إقامة وطن قومي لليهود.
•منح الوكالة اليهودية مكانة متميزة في إدارة فلسطين إلى جانب حكومة الانتداب.
•فتح باب الهجرة في وجه اليهود و تسهيل ظروف استقرارهم و تجنيسهم عبر تنشيط حركة الاستيطان و إقامة مستوطنات جديدة بالأراضي الأميرية و الأراضي الموات الفلسطينية .
•جعل العبرية لغة رسمية بفلسطين الى جانب العربية والانجليزية.
-وتنفيذا لمقررات صك الانتداب قامت بريطانيا ب :
•إصدار قوانين جديدة لتسهيل انتقال الاراضي الى اليهود.
•إثقال كاهل الفلسطينيين بالضرائب و فوائد الديون لدفعهم إلى بيع أراضيهم و أملاكهم لليهود بأثمان مغرية ثم طردهم و تشريدهم .
•منح المستثمرين اليهود امتيازات جمركية وضريبية وإدارية و حماية لمشاريعهم و منتوجاتهم حيث احكموا سيطرتهم على ثروات البلاد المعدنية و الطاقية و احتكروا جميع الأنشطة ذات الربح العميم. هكذا تسببت هذه الأوضاع في تشريد آلاف الفلسطينيين بمختلف شرائحهم، حيث طردوا من أملاكهم طوعا أو غصبا، و فقدوا مصادر عيشهم، بينما تعاظم نفوذ الصهاينة الذين تزايدت هجراتهم إلى فلسطين، وانتقل عددهم ما بين 1922 و1940 من 83790 نسمة (11.2% من م سكان فلسطين) إلى 463535 نسمة (30.1%) ، كما تضاعفت مساحة الأراضي المباعة في نفس الفترة من 70000 دونم إلى 187000 دونم .
3- أشكال التمركز الصهيوني بفلسطين بين سنتي 1939-1948
- لجأت بريطانيا أمام تصاعد حدة المقاومة الفلسطينية وتصاعد الخطر النازي، إلى المناورة من أجل تهدئة الأوضاع و تخفيف حدة التوتر، حيث أصدرت قوانين تحد من الهجرة اليهودية .وقد رفضت الحركة الصهيونية هذه القوانين ، فاستغلت تأييد واشنطن لمشروعها، و دخلت في مواجهة مع سلطات الانتداب، حيث نظمت عدة عمليات إرهابية ضد سلطات الانتداب الانجليزي ومصالحها بفلسطين (تفجير فندق الملك داوود بالقدس سنة 1946 الذي دهب ضحيته 91 شخصاً، 41 منهم فلسطينيين، و28 من الإنجليز و17 من اليهود و5 من جنسيات أخرى. وأصيب 45 بجروح مختلفة الخطورة ).
- إحداث تنظيمات عسكرية واستخباراتية سرية أشرفت بريطانية على إعدادها و تدريبها و تسليحها لأغراض أمنية حيث جعلت منها جهازا قادرا على حماية الكيان الصهيوني و مستوطناته. و قد تكونت هذه التنظيمات من ميلشيات أرغون هاغانا العسكرية ،وتنظيم زفاي لومي الإرهابي ،وعصابة شترن تلاها تأسيس الموساد. وقد وجهت هذه المنظمات الإرهابية نشاطها ضد الفلسطينيين وضد الانتداب البريطاني.
- و قد أدى تزايد حدة المواجهة و التوثر بين الفلسطينيين و الصهاينة من جهة و مع سلطات الانتداب من جهة ثانية إلى سعي بريطانيا لتدويل المشكل و عرضه على أنظار هيئة الأمم المتحدة التي خرجت في 29 نونبر 1947 بقرار تقسيم فلسطين بين الطرفين ، فتقرر :
* منح الفلسطينيين الضفة الغربية و قطاع غزة و الأراضي الشمالية المحاذية للبنان والشريط الحدودي البري مع مصر.
* تدويل القدس و بيت لحم ، أي وضعهما تحث مراقبة دولية .
* منح ايهود ما تبقى من التراب الفلسطيني مع التركيز على الشريط الغربي الساحلي .
و قد توج هذا القرار بإعلان بريطانيا انسحابها من فلسطين ، تلاها بساعات قليلة إعلان قيام دولة إسرائيل في 14ماي 1948 على أسس عنصرية توسعية وعلى قاعدة الارتباط بين مصالح الصهيونية و الامبريالية العالمية وخاصة الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني، وحددت مجال هذه الدولة في البداية في المنطقة الوسطى بين الضفة الغربية وقطاع غزة و الشريط الساحلي بين غزة ولبنان والمنطقة الحدودية مع سوريا الشئ الذي تسبب في انتكاسة الفلسطينيين والعرب.
II - ردود الفعل الفلسطينية على التمركز الصهيوني
2- بعض مظاهر المقاومة السلمية للتمركز الصهيوني بفلسطين 1900-1928
أسفر تزايد التمركز الصهيوني بفلسطين بشريا، سياسيا، اقتصاد و ماليا عن ردود فعل تجسدت في شكل مقاومة سلمية امتدت الى حدود 1928، قامت بها جمعيات فلسطينية كالجمعية الخيرية الإسلامية، و جمعية الإخاء والعفاف و جمعية مقاومة الصهيونية. و قد اقتصرت هذه الردود على التوعية بمخاطر الهجرة اليهودية و التواجد الصهيوني بفلسطين و مخططاته من خلال الخطب بالمساجد، تلتها موجة من الاحتجاجات و المظاهرات و الإضرابات. وساهمت الجرائد و الصحف و الكنائس و الفتاوى في هذه التوعية .
ومن الجانب العربي بادر المؤتمر العربي السوري في يوليوز 1919 الى رفض مطالب الصهاينة القومي والى المطالبة بضم فلسطين وسوريا ولبنان في إطار دولة واحدة، كما تأسست لجن عربية قررت إحداث صناديق بهدف إعادة شراء الاراضي من اليهود، و مثلت الفلسطينيين في المحافل الدولية و الدفاع عن قضيتهم و مطالبهم المشروعة . و قد تخللت هذه المرحلة مقاومة مسلحة عفوية و غير منظمة من طرف أفراد و جماعات صغيرة كانت آثارها محدودة كثورة القدس سنة 1920 و يافا 1921. كما تم عقد أول مؤتمر لعلماء فلسطين في 26 يناير 1934 أصدر فيه قرار منع بيع الاراضي لليهود و الأجانب ووصف المؤيدين لذلك بالكفر و الردة.
2- بعض نماذج المقاومة الفلسطينية المسلحة فيما بين الحربين 1929-1939
شكلت مرحلة ما بعد 1929 نقطة تحول في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث انتقلت من مقاومة سلمية عفوية الى مقاومة مسلحة ومنظمة على المدى الطويل:
* ثورة البراق 1929م : شكلت الفتيل الذي أشعل شرارة المواجهة مع سلطات الانتداب و الصهاينة ، حيث انطلقت بعد صلاة الجمعة واستهدفت مراكز البوليس البريطاني و المستعمرات الصهيونية فدمرت 6 منها تدميرا كاملا ، وردت على ذلك قوات الانتداب بعنف وضراوة مستخدمة المدرعات و الدبابات و الأسلحة النارية و الطائرات في سماء القدس.كما تشكلت لجنة للتحقيق (لجنة شو) أكدت أن ملكية حائط البراق تعود للمسلمين وحدهم باعتباره جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف،كما أصدرت توصيات تكرس حفظ مصالح اليهود ومراقبة هجرتهم.
* الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 : من زعمائها الشيخ الحسيني مفتي القدس كما شارك فيها أنصار عز الدين القسام الذي استشهد سنة 1935 .طالبت بإيقاف الهجرة اليهودية ومنع انتقال الأرض لليهود وتأليف حكومة وطنية .وقد شملت هذه الثورات الإضرابات الطويلة المدى والعصيان المدني والعمليات الثورية المسلحة.ورغم تدخل سلطات الانتداب لقمعها فإنها لم تهدأ إلا بعد تدخل رؤساء دول عربية،إذ ذاك عينت بريطانيا لجنة بيل للتحقيق في أسباب ثورة 1936 فخرجت اللجنة بتوصيات منها إنهاء الانتداب ومشروع تقسيم فلسطين 1937 الى دولتين فلسطينية ويهودية مع تدويل القدس وبيت لحم. غير أن رفض العرب ،جعل الثورة تستأنف من جديد.وأمام تصاعد الخطر النازي اضطرت بريطانيا الى تهدئة الاوضاع عن طريق تحديد الهجرة في طريق منعها والتخلي عن قرار التقسيم وإصدار كتاب ماكدونالد الأبيض 1939 الذي أعلنت فيه عن رغبتها في إقامة حكومة عربية يهودية في انتظار الاستقلال بعد 10 سنوات .
خاتمة:
كانت القضية الفلسطينية ولا تزال نقطة ساخنة بين الاستعمار والصهيونية والامبريالية من جهة وبين الصمود والوعي والالتزام الفلسطيني من جهة أخرى.فقد ضاعت فلسطين من العرب في ظروف صعبة .وبعد قيام دولة إسرائيل وتزايد ارتباطها بالامبريالية الغربية خاصة الو.م.أ،ظهر صراع عربي-إسرائيلي شمل المواجهات المسلحة والدبلوماسية مما أدى الى تدويل القضية الفلسطينية وظهور منظمة التحرير الفلسطينية.
