أزمة العالم الرأسمالي الكبرى لسنة 1929م
تقديم إشكالي :
تعرضت الدول الرأسمالية سنة 1929م لازمة اقتصادية كبرى انطلقت من و.م.ا. لتشمل باقي دول العالم باستثناء الاتحاد السوفياتي.وقد بادرت و.م.أ الى تبني سياسة اقتصادية جديدة لإخراج البلاد والمنظومة الرأسمالية من هذه الأزمة عرفت بالخطة الجديدة new deal .
- فما هي مظاهر انطلاق الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929م ؟ وما هي أسبابها ؟
- ماهي آليات انتشار الأزمة قطاعيا ومجاليا ؟
- وما هي الإجراءات التي اتخذتها الدول المتضررة لمواجهة الأزمة ؟
I- مظاهر انطلاق الأزمة الاقتصادية الكبرى وأسبابها
1-مظاهر انطلاق الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929م
انطلقت اكبر أزمة اقتصادية في تاريخ المنظومة الرأسمالية من بورصة وول ستريت يوم الخميس الأسود 24 أكتوبر 1929م.ومن مظاهر هذه الانطلاقة :
-الانهيار المفاجئ لقيمة الأسهم ببورصة وول ستريت
-فقدان الأمريكيين للثقة في شعار الرخاء الدائم الذي رفعته الو.م.أ بين 1922م-1929م.
-ظهور موجة كبيرة للتخلص من الأسهم بلغت أقصاها يوم 24 أكتوبر 1929م عندما بلغ عدد الأسهم المعروضة للبيع 13 مليون سهم دون أن تجد مشتريا.
-تعرض الكثير من المؤسسات المالية للإفلاس والعجز عن توفير القروض والخدمات حيث بلغ عدد الأبناك الامريكية المفلسة 642 سنة 1929م.
2-أسباب انطلاق الأزمة الاقتصادية لسنة 1929م
ترتبط الأزمة الاقتصادية لسنة 1929م بعدة عوامل أهمها :
-عيوب النظام الرأسمالي المبني على المنافسة والمبادرة الحرة ← تعرضه الى أزمات دورية منذ القرن 19م مثل أزمة 1873م-1896م وأزمة 1920م-1921م. وتحدث هذه الأزمات عندما يختل التوازن بين العرض والطلب وتشتد المضاربة ← فائض الإنتاج + انهيار قيمة الأسهم ← إفلاس المؤسسات الصناعية والتجارية ← بطالة ← تراجع الطلب ← ركود اقتصادي وانهيار عام للبورصات.
- حفاظ الاقتصاد الأمريكي على وثيرة الإنتاج المرتفعة التي كان عليها إبان الحرب العالمية الاولى رغم انتعاش الاقتصاد الأوربي وتراجع الطلب الخارجي على المنتوج الأمريكي ← شبح الفائض والبطالة.
- مبالغة الأبناك في ثقتها بالازدهار الاقتصادي وفي زبنائها من رجال الصناعة والتجارة والمواطنين الذين منحتهم القروض مقابل ضمانات تفوق مواردهم مما فسح المجال للمضاربة المالية بالبورصات بحثا عن الربح السريع وتحقيق الثروة.
- رغم شبح الفائض وحتى تحافظ الإنتاج والأرباح المرتفعين لجأت المؤسسات الى تشجيع الاستهلاك عن طريق البيع بالسلف والإشهار ومنح القروض.
II- مظاهر انتشار الأزمة الاقتصادية قطاعيا ومجاليا
1-انتقال الأزمة من القطاع المالي الى باقي القطاعات الاقتصادية
- سببت الأزمة المالية الامريكية في تهديد وشل باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى نتيجة الترابط والاندماج القوي بين مختلف فروعها حيث آدت الى :
*تضرر قطاعات الفلاحة والنسيج والسيارات وباقي الصناعات التعدينية الأخرى حيث أدى ايقاف الأبناك للقروض وانهيار الأسهم الى تراجع الإنتاج وانعكس ذلك سلبا على أسعار المواد الفلاحية والمتوجات الصناعية ← توالي احتجاجات الفلاحين في الشوارع منذ 1933م ضد انخفاض الأسعار.
*إفلاس عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية بسبب تراكم ديونها حيث فاق عدد الشركات المفلسة 31820 شركة ما بين 1929م و1932م .
-اتخذ الانتشار القطاعي لازمة 1929م مظاهر اقتصادية واجتماعية تجلت أهمها في :
*تنامي المضاربات في البورصة بين 1925م و1929م ← ارتفاع قيمة الأسهم وابتعادها عن الواقع
الاقتصادي.ومع تدبدب النشاط الاقتصادي في صيف 1929م انخفضت قيمة الأسهم وانهارت سوق القيم في 24 أكتوبر 1929م ← أزمة بنكية بسبب عجز الأبناك عن استرجاع ديونها وتعرضها للإفلاس ← أزمة اقتصادية (انهيار أسعار المنتجات الفلاحية والصناعية) ← أزمة اجتماعية (البطالة + انخفاض الأجور + انهيار القدرة الشرائية).
*تضرر الفلاحة الامريكية من الأزمة المالية بسبب لجوء الأبناك الفلاحية الى مصادرة أملاك وأراضي الفلاحين العاجزين عن تسديد ديونهم حيث وصل عدد الضيعات المصادرة الى 16600 ضيعة سنة 1931م ← توالي الهجرات والنزوحات الجماعية نحو المدن ونحو الغرب بحثا عن العمل والطعام والأرض.
*انتشار البطالة وتزايد عدد العاطلين الذين فاق عددهم 12 مليون عاطل سنة 1933م في الوقت الذي سجل فيه مؤشر الإنتاج الصناعي أدنى مستوياته ← تظاهر العاطلين بالشوارع احتجاجا على بؤسهم الاجتماعي.
2-الانتشار المجالي للازمة وعوامله
-لم تبقى الأزمة حبيسة المجال الأمريكي بل سرعان ما انتقلت الى اوربا والعالم بشكل تدريجي حسب درجة الارتباط بالاقتصاد الأمريكي ،حيث أصابت الأزمة في البداية ألمانيا ،النمسا ،بولونيا ،اليابان واغلب بلدان القارة الامريكية فيما بين 1929م و1930م . وفي مرحلة ثانية انتقلت الى فرنسا وانجلترا وايطاليا والدانمرك وتركيا وإيران واستراليا ومعظم المستعمرات البريطانية سنة 1911م. وفي الأخير المستعمرات الفرنسية والايطالية والصين وكوريا والفلبين سنة 1932م.
-يمكن تفسير تدويل الأزمة الامريكية ب :
*ارتباط الاقتصاد العالمي الوثيق بالاقتصاد العالمي حيث أدى سحب الو.م.أ لرساميها وإيقاف قروضها ومساعداتها نحو اوربا ومطالبتها بتسديد ديونها ،الى إفلاس المؤسسات الأوربية وتضرر الاقتصاد الأوربي من سياسة الحمائية الامريكية.ومن اوربا انتقلت الأزمة الى المستعمرات بفعل تراجع الطلب على المواد الأولية التي تصدرها المستعمرات وانهيار أسعارها وتراكم مخزوناتها.
*تدهور المبادلات التجارية بفعل سياسة الحمائية وانهيار أسعار المواد الخام والأزمة المالية، حيث تراجعت المبادلات الامريكية ب53% والفرنسية ب60% والايطالية ب50% .
*تراجع الإنتاج الصناعي العالمي ففي الو.م.أ تراجع بنسبة 73% وفي فرنسا ب 40% وفي ايطاليا ب34%.
- وقد خلف انتشار الأزمة خارج الو.م.أ آثارا اجتماعية سلبية أهمها ارتفاع عدد العاطلين بالأقطار الرأسمالية خاصة بفرنسا وألمانيا ← تنظيم مظاهرات للمطالبة بالشغل والغذاء + اتساع دائرة الفقر والبؤس والحرمان ← الاعتماد على المساعدات الغذائية الحكومية.
II- أساليب مواجهة الأزمة :الخطة الجديدة نموذجا
قامت البلدان الصناعية في بداية الأزمة بمحاولات أولية لحل الأزمة ارتكزت على النظرية الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية التي تدعو الى عدم تدخل الدولة في الاقتصاد وترى الحل في محاربة التضخم والتقليص من النفقات العمومية وتخفيض نسبة الفوائد البنكية والأجور والتسريح المؤقت للعمال .وأمام فشل هذه الإجراءات برزت أهمية النظرية الكينزية التي دعت الى تدخل الدولة في الاقتصاد ومواجهة خطر البطالة .ومن نماذج تدخل الدول الرأسمالية في الاقتصاد هناك النموذج الأمريكي المرن عبر الخطة الجديدة.
1-مضمون الخطة الجديدة New deal
- لتجاوز الأزمة اتخذت حكومة فرانكلين روزفلت مجموعة من التدابير اصطلح على تسميتها بالخطة الجديدة (النيوديل) .وهي عبارة عن برنامج إصلاحي شامل يدعو الى توسيع تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد بهدف إنعاش الشغل كمحرك للدورة الاقتصادية.
-مر تطبيق الخطة الجديدة من مرحلتين أساسيتين :
*المرحلة الأولى (1934م-1935م) :تضمنت سلسلة من التدابير والإجراءات المالية الفلاحية والصناعية واتسمت بإصدار قوانين جديدة أهمها :
الرجوع الى الوثيقة 3 بالصفحة 42 من الكتاب المدرسي "الجديد في التاريخ"
*المرحلة الثانية (1935م-1937م) : ركزت على المشكل الاجتماعي حيث تم إنشاء المكتب الوطني للشغل منذ 1935م الذي انصب اهتمامه على :
•توفير الشغل ل 2.5 مليون عاطل ومحاربة البطالة عبر تخصيص الكونغرس 5 مليار دولار لإنعاش الشغل.
•فتح أوراش عمومية كبرى لامتصاص البطالة (غرس الأشجار،بناء القناطر والجسور والسدود وترميم المدن...).
2-حصيلة الخطة الجديدة
- رغم أن الخطة الجديدة اصطدمت بمعارضة التيارات التقليدية التي وصفتها بكونها اشتراكية ،إلا أنها انقدت النظام الراسمالي من الانهيار فمنذ 1933م اخذ الاقتصاد الأمريكي ينتعش حيث ارتفع مؤشرات الإنتاج الصناعي والأجور وأسعار المواد الفلاحية وتراجع عدد العاطلين من 12.6 مليون عاطل سنة 1933م الى 7.3 مليون عاطل سنة 1937م.كما انتقلت المصاريف الحكومية من 4681 مليون $ سنة 1933م الى 8001 مليون $.وارتفع إنتاج الحبوب من 15 مليون طن الى 23 مليون طن سنة 1937م.وقد واكب هذا الانتعاش الصناعي والفلاحي نمو تدريجي للمبادلات التجارية الخارجية.
الخاتمة :
إذا كانت خطة روزفلت قد مكنت الو.م.أ من الخروج من الأزمة ،وإذا كانت المستعمرات قد مكنت فرنسا وبريطانيا من تجنب كوارث الأزمة ،فان ظلال هذه الأزمة ومضاعفاتها أثرت بشكل كبير على باقي الدول الرأسمالية وخاصة ألمانيا وايطاليا واليابان وغيرها بالإضافة الى المستعمرات مما ساعد على سير العالم في اتجاه حرب عالمية ثانية .كما أن تطبيق الخطة الجديدة غيرت من طبيعة النظام الراسمالي الذي انتقل الى مرحلة الليبرالية الموجهة التي تبنت التخطيط ودعت الى تدخل الدولة لتوجيه الاقتصاد دون التفريط في مبدأ حرية المبادرة الفردية والملكية الخاصة وغيرها من المبادئ الأخرى.
عدل سابقا من قبل Admin في الثلاثاء ديسمبر 07, 2010 6:14 am عدل 1 مرات
